@ ويكون الداعي إلى التناسل في غاية القوة فلا ينقطع النسل ولهذا لا تجد في مني الاحتلام من القوة ما في مني الجماع وإنما هو من فضلة حرارة تذيب الرطوبة فتنفذ فيها الطبيعة إلى خارج من نوع تصور خيال بواسطة الشيطان كما في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان
فإن قيل فهذا اختيار منكم لقول من قال إن المني يخرج من جميع أجزاء البدن وهذا وإن كان قد قاله كثير من الناس فقد خالفهم آخرون وزعموا أنه فضلة تتولد من الطعام وهي من أعدل الفضلات ولهذا صلحت أن تكون مبدأ الإنسان وهو جسم متشابه الأجزاء في نفسه قيل القول الأول هو الصواب ويدل عليه وجوه منها عموم اللذة بجميع أجزاء البدن ومنها مشاكلة أعضاء المولود لأعضاء الوالدين ومنها أن المشابهة الكلية تدل على أن البدن كله أرسل المني ولولا ذلك لكانت المشابهة بحسب محل واحد فدل على أن كل عضو أرسل قسطه ونصيبه فلما انعقد وصلب ظهرت محاكاته ومشابهته له ومنها أن الأمر لو كان كما زعمه أصحاب المقالة الثانية من أن المني جسم واحد متشابه في نفسه لم تتولد منه الأعضاء المختلفة المتشكلة بالاشكال المختلفة لأن القوة الواحدة لا تفعل في المادة الواحدة إلا فعلا واحدا فدل على أن المادة في نفسها ليست متشابهة الأجزاء
ومنها أن المني فضلة الهضم الآخر وذلك إنما يكون عند نضج الدم في العروق وكونه مستعدا استعدادا تاما لأن يصير من جوهر الأعضاء وكذلك عقيب استفراغه من الضعف أكثر مما يحصل من استفراغ أمثاله من الدم ولذلك يورث الضعف في جوهر الأعضاء الأصلية فدل على أنه مركب من أجزاء كل منهما قريب الاستعداد لأن يصير جزءا من عضو ولذلك سماه الله سلالة والسلالة فعالة من السل وهو ما يسل من البدن كالبخار كما سمى أصله سلالة من الطين لأنه استلها من جميع الأرض كما في جامع الترمذي عن النبي ﷺ أن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض