قلت وهذا غلط من وجه وصواب من وجه أما الصواب فمن الحكم العجيبة جعل الطحال في الجانب الأيسر على موازنة الكبد لئلا يميل الشق الأيمن بها ولا يمكن أن تقوم المعدة بموازنة الكبد لأنها دائما تمتلئ وتخلو فتارة تكون أخف من الكبد وتارة أرجح منها فيصير البدن مترجحا أو يميل إلى شق الكبد وقتا وإلى شق المعدة وقتا آخر فجعل الخالق سبحانه الطحال يوازن الكبد وجعل المعدة بينهما في الوسط لئلا يثقل جانب ويخف جانب آخر عند امتلائها وخلوها فلما جعلت وسطا لم يختلف وضع البدن باختلافها
وأما الغلط فقوله إنه لا منفعة فيه وإنما يشغل المكان لئلا يبقى فارغا فإنه وإن لم يعلم فيه منفعة لم يكن له أن ينفيها فإن عدم العلم بالمنفعة لا يكون علما بعدمها ولا شيء في البدن خال عن المنفعة ألبتة وفي الطحال من المنافع أنه يجذب الفضلة الغليظة العكرة السوداء من الكبد نوعا من جنس العروق كالعنق له فإذا حصلت تلك الفضلة عنده أنضجها وأحالها وهو ينضج غليظ الدم وعكره كما ينضج قولون غليظ الغذاء ويابسه ويستعمل في فعله العروق والضوارب الكثيرة المبثوثة فيه كلها فما نضج واستحال إلى طبيعته صار غذاء له ومالم يمكن أن ينقلب إلى الدم الموافق له قذفه إلى المعدة بعنق آخر من جنس العروق وإنما أمكنه جذب الفضل الأسود بقوة لحميته لأنه رخو متحلحل خفيف كالاسفنج ولما اتصلت به العروق الضوارب الكثيرة استغنى بها عن إنضاج الفضول السوداء ليبقى لحمه خفيفا متحلحلا لأن دم الشرايين رقيق لطيف قريب طبيعته البخار فما اغتذى به كان نحيفا كالرئة ولكن الرئة تغتذى بما صفا ورق وأشرق وكان أحمر ناريا وكذلك الرئة كانت أخف وزنا منه وأسخف جرما ومائلة إلى البياض وأما الطحال فيغتذى بماء لطيف من الخلط الأسود المنطبخ في الشرايين فيستريح منه البدن ويغتذى به الطحال فالطحال يغتذى بغذاء لطيف من غذاء الكبد لأنه يرشح إليه من الشرايين التي صفا فأيهما يحبه جدا ولأجل سواد تلك الفضلة وكونها عكرة في الأصل لم يكن لون الطحال أحمر ولا مشرقا

__________


الصفحة التالية
Icon