ثم أودع سبحانه قوة التفكر وأمره باستعمالها فيما يجدي عليه النفع في الدنيا والآخرة فركب القوة المفكرة من شيئين من الأشياء الحاضرة عند القوة الحافظة تركيبا خاصا فيتولد من بين هذين الشيئين شيء ثالث جديد لم يكن للعقل شعور به كانت مواده عنده لكن بسبب التركيب حصل له الأمر الثالث ومن ههنا حصل استخراج الصنائع والحرف والعلوم وبناء المدن والمساكن وأمور الزراعة والفلاحة وغير ذلك فلما استخرجت القوة المفكرة ذلك واستحسنته سلمته إلى القوة الإرادية العلمية فنقلته من ديوان الأذهان إلى ديوان الأعيان فكان أمرا ذهنيا ثم صار وجوديا خارجيا ولولا الفكرة لما اهتدى الإنسان إلى تحصيل المصالح ودفع المفاسد وذلك من أعظم النعم وتمام العناية الإلهية ولهذا لما فقد البهائم والمجانين ونحوهم هذه القوة لم يتمكنوا مما تمكن منه أرباب الفكر ولما كان استخراج المطلوب بهذه الطريق يتضمن فكرا وتقديرا فيفكر في استخراج المادة أولا ثم يقدرها ويفصلها ثانيا كما يصنع الخياط يحصل الثوب ثم يقدره ويفصله ثانيا قال تعالى عن التوحيد ﴿ ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ﴾ فكرر سبحانه التقدير دون التفكير وذمه عليه دونه وهذا منزل على مقتضى حال سواء فانه بالفكر طالب لاستخراج المجهول وذلك غير مذموم فلما استخراجه قدر له تقديرين تقديرا كليا وتقديرا جزئيا فالتقدير الكلي أن الساحر هو الذي يفرق بين المرء وزوجه والتقدير الجزئي أن الذي يفرق بين المرء وزوجه مذموم فههنا تقدير بعد تقدير فلهذا كرره سبحانه وذمه عليه وأما التفكير فان الفكر طالب لمعرفة الشيء فلا يذم بخلاف من قدر بعد تفكيره ما يوصله إلى تحقيق الباطل وإبطال الحق فتأمله فصل
ثم أنزل إلى العين وتأمل عجائبها وشكلها وخلقها وإيداع النور الباصر فيها وتركيبها من عشر طبقات وثلاث رطوبات ولكل واحد من هذه