وقوله: ﴿لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً﴾ أَى زكِىَّ الخِلْقة، وذلك على طريق ما ذكرناه من الاجتباءِ، وهو أَن يجعل بعض عباده عالِمًا وطَاهر الخُلُق لا بالتعَلُّم والممارسة بل بقوّة إِلهيّة، كما يكون لكلِّ الأَنبياءِ والرُّسُل. ويجوز أَن يكون تسميته بالزَّكِىّ لما يكون عليه فى الاستقبال لا فى الحال. والمعنى سَيَتَزَكَّى. وقوله: ﴿والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ أَى يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكِّيهِم الله، أَو ليزكُّوا أَنفسهم، والمعنيان واحد. وليس قوله (للزَّكاة) مفعولا لقوله (فاعلون)، بل اللاَّم فيه للقصد وللعلَّة.
وتزكية الإِنسان نفسه ضربان: أَحدهما بالفعل وهو محمود، وإِليه قَصَد بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾، والثانى بالقول كتزكية العدل غيره. وذلك مذموم أَن يفعل الإِنسان بنفسه. وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: ﴿فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ﴾، ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مَدْح الإِنسان نفسه عقلا وشرعاً، ولهذا قيل لحكيم: ما الَّذى لا يحسن / وإِن كان حقًّا؟ فقال: مَدْح الإِنسان نفسه.
وفى أَثر مرفوع: "ما تلِف مالٌ من برّ ولا بحر إِلاَّ بمنع الزَّكاة".


الصفحة التالية
Icon