فالقبض والبسط عندهم حالتان للقلب لا يكاد ينفكّ عنهما. قال أَبو القاسم الجُنَيد: فى معنى القبض والبسط معنى الخوف والرَّجاء، فالرَّجاء يبسط إِلى الطَّاعة، والقبض والخوف يقبض عن المعصية.
وكلّهم تكلَّم فى القبض والبسط حتَّى جعلوه أَقساماً: قبض تأْديب، وقبض تهذيب، وقبض جمع، وقبض تفريق. ولهذا يمتنع به صاحبُه إِذا تمكَّن منه من الأَكل والشرب والكلام، ويقل الانبساط إِلى الأَهل وغيرهم.
فقبض التأْديب يكون عقوبة على غفلة أَو خُلطاء سَوْءٍ، أَو فكرة رديئة.
وقبض التهذيب يكون إِعْدَادًا لِبسط عظيم يأْتى بعده. فيكون القبض قبله كالتنبيه عليه والمقدِّمة له، كما كان الغَتُّ والغطّ بين يَدَى الوحى إِعدادًا لوروده. وهكذا الخوف الشديد مقدِّمة بين يدى الأَمن. فقد جرت سُنَّة الله - سبحانه - أَن هذه الأمور النافعة المحبوبة يُدخَل إِليها من أَبواب أَضدادها.
وأَمَّا قبض الجمع فهو ما يحصل للقلب حالة جَمْعيَّته على الله من انقباضه عن العالَم وما فيه، فلا يبقى فيه فضل ولا سعة لغير مَن اجتمع عليه قلبُه. وفى هذه مَن أَراد من صاحبه ما يعهده منه من المؤانسة والمذاكرة فقد ظلمه.
وأَما قبض التفرقة فهو القبض الذى يحصل لمن تفرَّق قلبُه عن الله وتشتَّت فى الشِّعاب والأَودية. فأَقلّ عقوبته ما يجده من القبض الذى ينتهى معه الموت.
وثمّ قبض آخر خصَّ الله به صُيَّابَته أَى خواصّ عباده. وهم ثلاث فرق: