فرقة قبضهم إِليه قبض التّوفى أَو قبض التوقِّى - من الوقاية - أَى سترهم عن أَعين النَّاس وقاية لهم وصيانة عن مُلابستهم، فغيَّبهم عن أَعينهم. وهؤلاءِ أَهل الانقطاع والعُزْلة عن الناس وقت فساد الزمان. ولعلَّهم الذين قال [فيهم] النبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "يوشِك أَن يكون خير مال المسلم غَنماً يتَّبع بها شعَف الجبال ومواقع القَطْر"، وقوله: "ورجل معتزل فى شِعْب من الشِّعاب يعبد ربَّه، ويدع النَّاس من شرِّه". وهذه الحال تُحمد فى بعض الأَماكن والأَوقات دون بعضها، وإِلاَّ فالمؤمن الذى يخالط النَّاس ويصبر على أَذاهم أَفضل من هؤلاءِ.
وفرقة أَخرى مستورون فى لباس التلبيس، مخالطون للناس، والنَّاسُ يرون ظواهرهم وقد سَتر الله سبحانه حقائقهم وأَحوالهم عن رؤية الخَلْق لها، فحالهم ملتَبسٌ على النَّاس. فإِذَا رأَوا منهم ما يرون من أَبْنَاءِ الدنيا - من الأَكل والشرب واللباس والنكاح وطلاقة الوجه وحسن المعاشرة - قالوا: هؤلاءِ منَّا أَبناءَ الدنيا، وإِذا رأَوا ذلك الجدّ والهمّ والصبر والصدق وحلاوة المعرفة والإِيمان والذكر، وشاهدوا أَمورًا ليست فى أَبناءِ الدنيا، قالوا: هؤلاءِ أَبناء الآخرة، فالتبس حالهم عليهم فهم مستورون عنهم. فهؤلاءِ هم الصادقون، هم مع النَّاس، والنَّاس لا يعرفونهم ولا يرفعون بهم رأْسا، وهم من سادات أَولياءِ الله. وهذه الفِرقة بينها وبين