ما وقع في السورة من ذكر طريق الأنبياء، ومَن حاد عنهم من النصارى؛ ولهذا ذكر في الكعبة أنها قبلة إبراهيم، فهي من صراط الذين أنعم عليهم، وقد حاد عنها اليهود والنصارى معًا؛ ولذلك قال في قصتها: ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ "١٤٢"، تنبيهًا على أنها الصراط الذي سألوا الهداية إليه.
ثم ذكر: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ "١٤٥"، وهم المغضوب عليهم والضالون الذين حادوا عن طريقهم. ثم أخبر بهداية الذين آمنوا إلى طريقهم. ثم قال: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ "٢١٣". فكانت هاتان الآيتان تفصيل إجمال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ إلى آخر السورة.
وأيضًا قوله أول السورة: ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ "٢" إلى آخره في وصف الكتاب، إخبار بأن الصراط الذي سألوا الهداية إليه هو: ما تضمنه الكتاب؛ وإنما يكون هداية لمن اتصف بما ذكر [من صفات المتقين]. ثم ذكر أحوال الكفرة، ثم أحوال المنافقين، وهم من اليهود، وذلك [أيضًا] ١ تفصيل لمن حاد عن الصراط المستقيم، ولم يهتدِ بالكتاب٢.
وكذلك قوله هنا: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾ "١٣٦" الآية، فيه تفصيل النبيين المنعَم عليهم. وقال في آخرها: ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ "١٣٦" تعريفًا

١ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ".
٢ هذا تفصيل للصراط المستقيم عن طريق التبصير بأعداء الصراط المستقيم، والتحذير منهم على وجه التفصيل، وسيأتي تفصيل للصراط المستقيم في آل عمران عن طريق التبصير بالعوائق النفسية التي تحول دون الإنسان وسلوك الصراط المستقيم باعتبار النفس عدوًّا للإنسان، وبهذا تظهر عظمة الأسلوب القرآني في الإجمال والتفصيل، وفي استيعابه كل شيء.


الصفحة التالية
Icon