ووجوه القراءة التي يؤدون بها القرآن مختلفة باختلاف الأحرف التي نزل عليها.
فكانوا إذا ضمَّهم مجمع أو موطن من مواطن الغزو، وسمع كل قراءة الآخر، عجب منها لعدم علمه بها، ووقع في نفسه شك في صحتها.
وقد كان الأمر في بادئ الأمر هينًا، لكثرة الحفَّاظ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، واجتماعهم في مكة والمدينة، والكوفة والشام.
فلمَّا تفرقوا في الأمصار، واختلط العجم بالعرب، خاف عثمان ومن معه من كبار الصحابة أن يفشوَ اللحن في قراءة القرآن، وأن يدخل في وجوه القراءات الصحيحة ما ليس منها، وأن يؤدي اختلاف الناس في وجوه القراءات إلى الشكِّ في صحة الصحيح منها، وتخطئة بعضهم بعضًا في القراءة، فينشأ النزاع بينهم، وتحتدم الخصومة، وتتمزَّق الأواصر بين المسلمين، وتقع الفرقة في صفوفهم، وفي ذلك من الأخطار الجسيمة ما لا يخفى.
فاستخاروا الله -عز وجل- في جمع الناس على مصحف واحد يكون جامعًا للوجوه السبعة التي نزل عليها القرآن، دون سواها من الوجوه التي لم يثبت نقلها بسند صحيح يخلو من الشذوذ والقدح.
روى البخاري عن أنس: "أن حُذَيْفَة بن اليمان قدم على عثمان- وكان يغازي أهل الشام في فتح فرج أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق- فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدْرِك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردُّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصُّحُف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحَفٍ مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق.


الصفحة التالية
Icon