هذا مما يستحيل عقلًا وشرعًا وعادة.
... وقد ردَّ أبو بكر الأنباري الأخبار المرويَّة عن عثمان بن عفان في ذلك -كما ينقل السيوطي- وهي عنده "لا تقوم بها حجة؛ لأنها منقطعة غير متصلة".
كذلك هو ينفي أن يكون معنى قوله: "أرى فيه لحنًا" أرى في خطه لحنًا، إذا أقمناه بألسنتا كان لحن الخط غير مفسد، ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ، وإفساد الإعراب، لأن الخط منبئ عن النطق، فمَنْ لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخِّر فسادًا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق.
ونقل السيوطي أيضًا رأي ابن أشتة في الأخبار المروية عن عثمان، وما يذهب إليه في توجيهها، فيروي أنه قال: لعلَّ من روى تلك الآثار السابقة عنه حرَّفَها ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم منه ما لزم من الإشكال، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك.
ويقول السيوطي: إن تلك الأجوبة لا يصلح منها شيء في الإجابة عن حديث عائشة، ثم ينقل ما قاله ابن أشتة في ذلك، وتبعه فيه ابن جبارة "أحمد بن محمد المقدسي ت٧٢٨هـ" في شرح الرائية، بأن معنى قولها: "أخطأوا"، أي: في اختيار الأَوْلَى من الأحْرُف السبعة لجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز.
وتناول أبو عمرو الداني تلك الأخبار بالنقد والتوجيه، فقال عن الخبر الذي يروى عن عثمان: "هذا الخبر عندنا لا تقوم بمثله حجة، ولا يصح به دليل من جهتين".
إحداهما: أنه مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه مرسَل؛ لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعها من عثمان شيئًا ولا رأياه، وأيضًا، فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان -رضي الله عنه- لما فيه من الطَّعن عليه من محله من الدين، ومكانه من الإسلام، وشدة اجتهاده في بذل النصيحة، واهتباله بما فيه الصلاح للأمة".


الصفحة التالية
Icon