ثم يوجه معنى اللحن في الخبر -لو صحَّ- بأن المراد به التلاوة دون الرسم، إذ كان كثير منه لو تُلِيَ على حال رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة، وتغيَّرت ألفاظها من مثل: "أو لا أذبحنه" وما شاكله.
ويرى الداني في قول عثمان -رضي الله عنه- في آخر هذا الخبر: "لو كان الكاتب من ثقيف، والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف"، أن معناه: لم توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الألفاظ المخالفة لذلك، إذ كانت قريش ومن ولي نسخ المصاحف من غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة، وسلكوا فيها تلك الطريقة، ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك، فلو أنهما وليتا من أمر المصاحف ما وليه من تقدَّم من المهاجرين والأنصار لرسمتا جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ، ووجودها في المنطق دون المعاني والوجوه، إذ أن ذلك هو المعهود عندهما، والذي جرى عليه استعمالها.
وتحدَّث الداني عن الخبر المروي عن أم المؤمنين عائشة وقال في تأويله: إن عروة لم يسأل عن حروف الرسم التي تزاد وتنقص، وإنما سألها عن حروف القراءة المختلفة الألفاظ، المحتمِلَة الوجوه على اختلاف اللغات، مما أذن الله -عز وجل- في القراءة به، ومن ثَمَّ فليس ما جاء في الخبر من الخطأ أو اللحن بداخل في معنى المرسوم، ولا هو من سببه في شيء، وإنما سَمَّى عروة ذلك لحنًا، وأطلقت عائشة على مرسومه الخطأ على جهة الاتساع في الأخبار، وطريق المجاز في العبارة" أ. هـ.
وممن صرَّح بخطأ الكُتَّاب في بعض ما كتبوا ابن قتيبة، فقد قال بعد أن ذكر من الحروف ما يخالف لفظها كتابتها: "وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهبٍ من مذاهب أهل الإعراب فيها، أو أن تكون غلطًا من الكاتب، كما ذكرت عائشة -رضي الله عنها.
فإذا كانت على مذاهب النحويين فليس ههنا لحن بحمد الله.
وإن كانت خطأ في الكتاب، فليس على رسوله -صلى الله عليه وسلم- جناية الكاتب في الخط.


الصفحة التالية
Icon