للأساليب، ووزن لما يسمعون بأدق المعايير، حتى أدركوا من علوم القرآن ومن إعجازه بسليقتهم، وصفاء فطرتهم، ما لا نستطيع نحن أن ندركه مع زحمة العلوم، وكثرة الفنون.
وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- مع هذه الخصائص أمِّيين، وأدوات الكتابة لم تكن ميسورة لديهم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- نهاهم أن يكتبوا عنه شيئًا غير القرآن، وقال لهم أول العهد بنزول القرآن فيما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدِّثُوا عني فلا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
وذلك مخافة أن يلتبس القرآن بغيره، أو يختلط بالقرآن ما ليس منه.
فلتلك الأسباب المتضافرة لم تكتب علوم القرآن، كما لم يكتب الحديث الشريف، ومضى الرعيل الأول على ذلك في عهد الشيخين أبي بكر وعمر.
ولكن الصحابة كانوا مضرب الأمثال في نشر الإسلام وتعاليمه، والقرآن وعلومه، والسنة وتحريرها تتلقينًا لا تدوينًا، ومشافهة لا كتابة" أ. هـ١.
٢- ولما اتسعت رقعة الإسلام في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه، واختلط العرب الفاتحون بالأمم التي لا تعرف العربية، خاف بعض المسلمين على القرآن أن يختلف المسملون في قراءته إن لم يجتمعوا على مصحف واحد، فأشاروا على عثمان بكتابة القرآن الكريم في مصحف واحد، وتنسخ منه عدة مصاحف يُبْعَثُ بها إلى أقطار الإسلام، وأن يحرق الناس ما عداها، على ما سيأتي بيانه مفصَّلًا عند الكلام على جمع القرآن.
فاستجاب -رضي الله عنه- لهذه النصيحة الغالية؛ فجمع المسلمين على مصحف واحد عُرِفَ بمصحف الإمام، وبهذا العمل وضع عثمان -رضي الله عنه- الأساس لما نسميه علم رسم القرآن، أو علم الرسم العثماني.