وأخرج أيضًا عن ابن الأحوص أن عبد الله بن مسعود قال: "جردوا القرآن ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يفرُّ من البيت يسمع فيه سورة البقرة".
وأخرج أبو بكر الأنباري عن الضحاك، أن ابن مسعود قال: "جرِّدوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات، وأعربوه، فإنه عربي والله يحب أن يعرب".
فقد قالوا: إن المقصود بتجريد القرآن إخلاؤه من النقط والشكل.
وهو تأويلٌ محتمَلٌ، وما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
والأصح في تأويل هذه الأخبار -إن صحَّت- أن المراد بتجريد القرآن تخليصه مما سواه.
قال الأستاذ قدروي في كتابه "رسم المصحف"١، بعد أن نقل هذه الأخبار: "وأما الاحتجاج بقول عمر أو ابن مسعود: "جرِّدوا القرآن"، فيبدو أن هذا الخبر أعطي ذلك التفسير في فترات لاحقة لقوله حين بدأوا ينقطون المصاحف، فاحتجَّ من كره ذلك بقول عمر وابن مسعود: "جردوا القرآن".
قال أبو عبيد: وقد اختلف الناس في تفسير قوله: "جردوا القرآن، فكان إبراهيم يذهب به إلى نقط المصاحف، ويقول: جردوا القرآن، ولا تخلطوا به غيره، قال أبو عبيدة: وإنما نرى أن إبراهيم كره هذا مخافة أن ينشأ نشء يدركون المصاحف منقوطة، فيرى أن النقط من القرآن، ولهذا المعنى كره من كره الفواتح العواشر".
وقال السيوطي في الإتقان: "قال الحربي في غريب الحديث: قول ابن مسعود: جردوا القرآن، يحتمل وجهين:
أحدهما: جردوه في التلاوة، ولا تخلطوا به غيره.
والثاني: جردوه في الخطِّ من النقط والتعشير.
وقال البيهقي: الأبْيَنُ أنه أراد: لا تخلطوا به غيره من الكتب"٢.

١ ص٧٤٢.
٢ ج٤ ص١٨٦، ١٨٧.


الصفحة التالية
Icon