المبحث الثامن عشر: أسباب النزول
مدخل
...
المبحث الثامن عشر: أسباب النزول
علمنا فيما سبق أن القرآن الكريم نزل منجَّمًا على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في نحو ثلاث وعشرين سنة، نزلت كل آية منه لحكمة وغاية، جماع هذه الحكم والغايات تشريع ما فيه سعادة الإنسان في دنياه وآخراه، ويمكن اعتبار ذلك سببًا عامًّا لنزول كل آية من آيات القرآن، ولكن العلماء قصدوا إلى الأسباب الخاصة قصدًا أوليًّا بعد أن عرفوا هذه المقصد العام، فتتبَّعوا ما نزل على سبب معين، أو حادثة بخصوصها، أو نزل دفعًا لشبهة، أو إجابة عن سؤال، ونحو ذلك، ففسَّروا هذه الآيات وفقًا لأسباب نزولها أولًا، ثم نظروا في شمول أحكامها لجميع المخاطبين، وعدم شمولها.
ولا شكَّ أن تفسير الآية يرتبط بسبب نزولها ارتباطًا وثيقًا، فعليه المعول في فهمها، ولا سيما إذا كانت لا تتناول بعمومها جميع المخاطَبين، كما سيتبين لنا قريبًا.
وأكثر القرآن نزل ابتداء لإحقاق الحقِّ، وإبطال الباطل، وهداية الخلق إلى الخالق -عز وجل.
وما نزل على أسباب خاصة، وحوادث معينة قليل، لكنه مع قلته تألَّف منه علم عظيم، لا غنى عنه لمفسِّرٍ أو محدِّثٍ أو فقيه.
وليس من غرضنا هنا أن نستعرض جميع الآيات التي نزلت على أسباب خاصة، فذلك مما ينبغي أن يفرد له كتاب مستقل، ولكننا نريد أن نأخذ بهذا العلم من أطرافه، فنختصر لك قواعده وأصوله الكلية، فنتكلَّم عن تعريف سبب النزول، وبيان ما يعتمد عليه في معرفته، وفوائد العلم به، والصيغة التي يفهم منها سبب النزول، وتعدُّد الروايات في سبب النزول، وتعدُّد النزول مع وحدة السبب، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذا الموضوع.