أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع مِمَّنْ شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها، وجدُّوا في الطلب".
وهذا هو نهج علماء السلف، فقد كانوا يتورَّعُون عن أن يقولوا شيئًا في ذلك دون تثبت.
"قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: "اتق الله وقل سدادًا، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل الله من القرآن"١، وهو يعني الصحابة.
وإذا كان هذا هو قول "ابن سيرين"، من أعلام علماء التابعين، تحريًّا للرواية، ودقةً في الفصل، فإنه يدل على وجوب الوقوف عند أسباب النزول الصحيحة، ولذا فإن المعتمد من ذلك فيما روي من أقوال الصحابة ما كانت صيغته جارية مجرى المسند، بحيث تكون هذه الصيغة جازمة بأنها سبب النزول.
وذهب السيوطي إلى أن قول التابعين إذا كان صريحًا في سبب النزول فإنه يُقْبَل، ويكون مرسلًا، إذا صحَّ المسند إليه، وكان من أئمة التفسير الذين أخذوا عن الصحابة كمجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، واعتضد بمرسل آخر٢.
وقد أخذ الواحدي على علماء عصره تساهلهم في رواية سبب النزول، ورماهم بالإفك والكذب، وحذَّرهم من الوعيد الشديد، حيث يقول:
"أما اليوم فكلُّ أحد يخترع شيئًا، ويختلق إفكًا وكذبًا، ملقيًا زمامه إلى الجهالة، غير مفكِّرٍ في الوعيد للجاهل بسبب الآية".

١ الإتقان ج١ ص١١٥.
٢ انظر المرجع السابق.


الصفحة التالية
Icon