الصيغة التي يُعْرَف بها سبب النزول:
"صيغة سبب النزول إما أن تكون نصًّا صريحًا في السببية، وإمَّا أن تكون محتملة.
فتكون نصًّا صريحًا في السببية إذا قال الراوي: "سبب نزول هذه الآية كذا".
أو إذا أتى بفاءٍ تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة، أو السؤال، كما إذا قال: "حديث كذا" أو "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كذا، فنزلت الآية" فهاتان صيغتان صريحتان في السببية، سيأتي لها أمثلة.
وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي: "نزلت هذه الآية في كذا" فذلك يراد به تارةً سبب النزول، ويراد به تارة أنه داخل في معنى الآية.
وكذلك إذا قال: "أحسب هذه الآية نزلت في كذا" أو "ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في كذا".
فإن الراوي بهذه الصيغة لا يقطع بالسبب، فهاتان صيغتان تحتملان السببية وغيرها كذلك١.
ومثال الصيغة الأولى: ما رواه البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أنزلت ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ الآية في إتيان النساء في أدبارهن".
ومثال الصيغة الثانية ما أخرجه البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم، عن عبد الله بن الزبير، "أن الزبير خاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شراج من الحرة، وكانا يسقيان به كلاهما النخل، فقال الأنصاري: سرج الماء يمر، فأبى عليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟ فتلوَّن وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك، واسترعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقَّه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعةً له وللأنصاري، فلما أحفظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنصاري، استرعى للزبير حقه في صريح الحكم، فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك.