وقد تكون الروايات متساوية في الصراحة والصحة، وكان من إحداها وجه من وجوه الترجيح.
وقد تكون متساوية في الصحة، وليس في رواية منها وجه من وجوه الترجيح.
فهذه خمس صور لكل صورة منها حكم يخصها.
١- أما الصورة الأولى: وهي أن ترد عدة روايات صحيحة غير صريحة في ذكر السبب، فهذه لا منافاة بينها، إذ المراد منها تفسير الآية، وبيان أن ذلك داخل فيها، ومستفاد منها، وليس المراد ذكر سبب النزول، إلّا إذا قامت قرينة على واحدة بأنَّ المراد بها السببية.
والأمثلة في هذا كثيرة:
٢- وأما الصورة الثانية: وهي أن تكون بعض الروايات صحيحة صريحة، وبعضها صحيح غير صريح، فإنه يقدَّم الصحيح الصريح عن غيره قطعًا، وتحمل الرواية التي ليس فيها نصٌّ صريح على ذكر السبب على أنها بيان الحكم.
ومثال ذلك ما ورد في سبب نزول قوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ ١.
عن نافع قال: "قرأت ذات يوم ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾، فقال ابن عمر: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن" فهذه الصيغة من ابن عمر غير صريحة في السببية.
وقد جاء التصريح بذكر سبب يخالفه عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحول، فنزلت: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾.
فجابر هو المعتمد؛ لأن كلامه نقل صريح، وهو نصٌّ في السبب، أما كلام ابن عمر فليس ينص، فيُحْمَل على أنه استنباط وتفسير.

١ البقرة: ٢٢٣.


الصفحة التالية
Icon