ومثاله ما ورد في سبب نزول آيات اللعان، من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾.
إلى قوله: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ ١.
فقد أخرج البخاري والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أنها نزلت في هلال ابن أمية، قذف امرأته عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بشريك بن سحماء.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عدي، فقال: سل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجل وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فيُقْتَلُ به أم كيف يصنع؟
فجمع بينها بوقوع حادثة هلال أولًا، وصادف مجيء عويمر كذلك، فنزلت في شأنهما معًا بعد حادثتيهما.
قال ابن حجر: لا مانع من تعدُّد الأسباب، وإن لم يمكن الجمع لتباعد الزمن، فإنه يحمل على تعدد النزول وتكرره.
ومثاله: ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال: "لما حضر أبا طالب الوفاة، دخل عليه رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: أي عم، قل: لا إله إلا الله، أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال: هو على ملة عبد المطلب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْه عنه، فنزلت: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ ٢.
وأخرج الترمذي عن علي قال: "سمعت رجلًا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم فنزلت".
وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى المقابر، فجلس إلى قبرٍ منها، فناجاه طويلًا ثم بكى، فقال: إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، وإني استأذنت ربي في الدعاء لهم، فلم يأذن لي، فأنزل علي:

١ النور: ٦-١٠.
٢ التوبة: ١١٣.


الصفحة التالية
Icon