فقد قال ابن كثير في تفسيره: "نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعنون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقص -عليهم لعائن الله- فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا، يورون بالرعْوَنة، كما قال تعالى:
﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ ١.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في سبب نزول الآية: كانوا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم: "أرعنا سمعك، وإنما "راعنا" كقولك: عاطنا.
وقال السدي: "كان رجل من اليهود من بني قينقاع يُدعى رفاعة بن زويد، يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم، فإذا لقيه فكلَّمه قال: أرعني سمعك واسمع غير مسمع، وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تفخَّم بهذا، فكأن ناس منهم يقولون: اسمع غير مسمع، غير صاغ، وهي كالتي في سورة النساء، فتقدَّمَ الله إلى المؤمنين أن لا يقولوا: راعنا"٢.
ومن هذا القسم قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ٣، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ ٤.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ٥.
وأضرابها، فإنها من المبهمات التي يعتمد في تعيين مَنْ تُعْنِيهِم هذه الآيات على معرفة أسباب النزول.
الثاني من الأقسام: ما يبين الإجمال ويزيل الإشكال، وهو قريب من القسم الأول، فقد لا يكون المعنى في الآية مبهمًا، ولكن يكون مجملًا، بمعنى: أن المعنى الراجح في الآية غير واضح، فيقع الإشكال في فهم المراد، فإذا عُرِفَ

١ النساء: ٤٦.
٢ انظر ج١ ص٢١٣، ٢١٤.
٣ البقرة: ٨.
٤ الحج: ١١.
٥ لقمان: ٦.


الصفحة التالية
Icon