القسم الثالث: ما لا يبين مجملًا ولا يؤول متشابهًا، ولكن يبين تناسب الآيات، وارتباط بعضها ببعض، والكشف عن وجه تعلُّق الشرط بالجزاء مثلًا، أو الصفة بالموصوف، كما في قوله تعالى من سورة النساء:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ١.
فإن لفظ اليتامى يشمل جمع الذكور والإناث، ولا يتبيَّن ارتباط الشرط بالجواب مع هذا السياق إلّا على وجهٍ من الوجوه المحتملة، لخفاء الملازمة بينهما، فبينها ما ورد في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها، فقد سألها عروة ابن الزبير عنها فقالت: "هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، تشركه في ماله، فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فنُهُوا أن ينكحوهن إلّا أن يقسطوا لهن في الصداق، فأُمِرُوا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن".
فهذه الآية نزلت بسبب ما كان يقع من أولياء اليتامى في الجاهلية من ظلمٍ لليتيمات، علمت به عائشة -رضي الله عنها- من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الأظهر؛ لأن قول الصحابي له حكم المرفوع، وهي -رضي الله عنها- لا تفتي إلَّا بما علمت، ويحتمل أن تكون قد عرفت ذلك بالمشاهدة، كما دلَّ عليه ما رواه البخاري في صحيحه قال: أخبرني هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة: "أن رجلًا كانت له يتيمة فنكحها، وكان لها عذق، وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت فيه:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا﴾.
أحسبه قال: أنت شريكته في ذلك العذق وفي ماله".
وفي صحيح البخاري أيضًا، قال عروة: قالت عائشة: "وإنَّ الناس استفتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية، فأنزل الله: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء﴾.
قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى:

١ آية ٣.


الصفحة التالية
Icon