فكثيرًا ما تجد المفسرين وغيرهم يقولون: نزلت في كذا وكذا، وهم يريدون أن من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة، فكأنهم يريدون التمثيل.
ففي كتاب الإيمان من صحيح البخاري في باب: قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ ١.
أن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: "مَنْ حَلَفَ على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان".
فأنزل الله تصديق ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ الآية.
فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا، قال: فيَّ أنزلت، لي بئر في أرض ابن عم لي.... إلخ.
فابن مسعود جعل الآية عامة؛ لأنه جعلها تصديقًا لحديث عام، والأشعث بن قيس ظنها خاصة به إذ قال: "فيَّ أنزلت" بصيغة الحصر.
ومثل الآيات النازلة في المنافقين في سورة براءة المفتَتَحَة بقوله تعالى "ومنهم - ومنهم"، ولذلك قال ابن عباس: كنا نسمي سورة التوبة سورة الفاضحة.
ومثل قوله تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ٢.
فلا حاجة لبيان أنها نزلت لما أظهر بعض اليهود مودة المؤمنين.
وهذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص وبعض المفسرين، ولا فائدة في ذكره، على أنه ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآيات.
القسم السادس: حوادث حدثت، وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة، فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهِمُ أن تلك الحوادث هي المقصودة
٢ البقرة: ١٠٥.