من تلك الآيات، مع أن المراد أنها مما يدخل في معنى الآية، ويدلّ لهذا النوع وجود اختلاف كثير بين الصحابة في كثير من أسباب النزول.
وأمثلته كثيرة؛ ذكر منها السيوطي في الإتقان جملة في المسألة الخامسة من أسباب النزول.
منها: ما رواه البخاري أن ابن عباس قرأ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ ١، بألف بعد لام السلام، وقال: كان رجل في غنيمة له "تصغير غنم" فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه "أي: ظنُّوه مشركًا يريد أن يتقي منهم السلام"، وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك:
﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ﴾ الآية.
فالقصة لا بُدَّ أن تكون قد وقعت؛ لأن ابن عباس رواها، لكن الآية ليست نازلة فيها بخصوصها، بل نزلت في أحكام الجهاد، بدليل ما قبلها وما بعدها، فإن قبلها:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾.
وبعدها: ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾.
ومنها ما جاء في صحيح البخاري من نزاع الزبير والأنصاري في شراج الحرة، وقد تقدَّمَ ذكره، ففيه قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلّا نزلت في ذلك:
﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ ٢ الآية.
نقل السيوطي في الإتقان عن الزركشي أنه قد عَرِفَ من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أنها تتضمَّن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها.
وقد سبق تفصيل ذلك في صيغة أسباب النزول.

١ النساء: ٩٤.
٢ النساء: ٦٥.


الصفحة التالية
Icon