قال ابن عباس: هو أبو بكر -رضي الله عنه، يزحزح عن دخول النار، ثم وصف الأتقى فقال:
﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾، أي: يطلب أن يكون عند الله زاكيًا، ولا يطلب بذلك رياء ولا سمعة، بل يتصدَّق به مبتغيًا به وجه الله تعالى.
وقال بعض أهل المعاني: أراد بقوله: "الأتقى" و"الأشقى"، أي: التقيّ والشقي، كقول طرفة:
تعنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي واحد ووحيد، وتوضع "أفعل" موضع فعيل، نحو قولهم: الله أكبر، بمعنى كبير، ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه﴾ ١. بمعنى هيّن".
والثالث: قوله: إن هذه الآية ليست فيها صيغة عموم، واتهامه مَنْ قال ذلك بالوهم والغلط، عكسه هو الصحيح، وما ذكره من القواعد النحوية لا يسلَّم له في هذه الآية لدلالة القرائن على العموم.
من هذه القرائن سياق الآيات من قوله تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ إلى آخر السورة.
فإن الوعد والوعيد فيها عام، وذكر الأشقى والأتقى جاء مبالغة في وصف من نزلت الآيات بسببه، وأفعل التفضيل هنا ليس على بابه كما علمت.
وإلّا فإن الشقي لا يصلاها، والتقي لا يتجنبها، وهذا غير مراد قطعًا، فتعيَّن أن اللفظ يفيد العموم بمفهومه، والله أعلم.

١ الروم: ٢٧.

فوائد العلم بأسباب النزول:
١- العلم بأسباب النزول من الأمور التي لا غنى للمفسِّر عنها، فهو من العلوم التي تعينه على فهم المراد من كلام الله تعالى على وجه تطمئِنُّ النفس إليه.


الصفحة التالية
Icon