وفي رواية: فقال: لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله، فقال عمر: وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك؟ قال: إن الله يقول في كتابه: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلى آخر الآية.
فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدرًا وأحدًا، والخندق، والمشاهد، فقال عمر: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرًا للماضين، وحجَّة على الباقين؛ لأن الله يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ ١.
ثم قرأ إلى آخر الآية الأخرى، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر، قال عمر: صدقت، الحديث.
وحكى إسماعيل القاضي قال: شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يزيد بن أبي سفيان، فقالوا: هي لنا حلال، وتأوَّلُوا هذه الآية: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية.
قال: فكتب فيهم إلى عمر، قال: فكتب عمر إليه: أن أبعث بهم إلي قبل أن يفسدوا من قبلك، فلما أن قدموا على عمر استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين، نرى أنهم قد كذَبُوا على الله، وشرَّعوا في دينه ما لم يأذن به.. إلى آخر الحديث"٢.
وما قاله ابن عباس صحيح يؤيده ما رواه البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مناديًا ينادي: "ألا إنَّ الخمر قد حُرِّمَتْ" قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل الله:
٢ الموافقات ج٣ ص٣٤٩.