﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ الآية.
من هذه الأحاديث نعلم أن الغفلة عن أسباب النزول تؤدي حتمًا إلى فساد التأويل، وأن العلم بها ضروري في تصحيح الفهم، ودفع الاشتباه.
قال الشاطبي١: "وهذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزَّل، بحيث لو فُقِدَ ذكر السبب لم يُعْرَف من المنزَّل معناه على الخصوص، دون تطرُّق الاحتمالات وتوجُّه الإشكالات.
٢- ومن فوائد العلم بأسباب النزول أيضًا بيان أن القيد في الآية معتَبَرٌ في تقرير الحكم، بل هو لبيان الحال والواقع، أو بيان الغالب، ونحو ذلك.
كما في قوله تعالى من سورة الطلاق:
﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ ٢.
فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة حتى قال الظاهرية بأن الآية لا عِدَّة عليها إذ لم ترتب، وقد بيَّنَ ذلك سبب النزول، وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء، قالوا: قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن: الصغار والكبار، فنزلت، أخرجه الحاكم عن أُبَيّ.
فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن في العدة، وارتاب:
هل عليهن عدة أو لا؟ وهل عدتهم كاللاتي في سورة البقرة أو لا؟ فمعنى: ﴿إِنِ ارْتَبْتُم﴾ إن أُشْكِلَ عليكم حكمهن، وجهلتم كيف يعتدون، فهذا حكمهن، ومثله ما جاء في قوله تعالى من سورة النور:
﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٣.

١ المرجع السابق.
٢ آية: ٤.
٣ آية: ٣٣.


الصفحة التالية
Icon