إن الكفَّار لما حرَّموا ما أحلَّ الله، وأحلُّوا ما حرَّم الله، وكانوا على المضادة والمحادَّة، فجاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلّا ما حرَّمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلًا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلّا الحلاوة، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه تعالى قال: لا حرام إلّا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أُهِلَّ لغير الله به، ولم يقصد حلّ ما وراءه؛ إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل.
قال إمام الحرمين: وهذا في غاية الحسن، ولولا سبق الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرَّمات فيما ذكرته الآية"١.
٤- ومن فوائد العلم به: معرفة اسم مَنْ نزلت فيه الآية على التعيين، حتى لا يشتبه بغيره فيُتَّهَم البرئ، ويبَرَّأُ المريب.
ولهذا ردَّت عائشة على مروان حين أتهم أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر بأنه الذي نزلت فيه آية:
﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا﴾ ٢، إلى آخر الآية.
وقالت: "والله ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسمَّيته" إلى آخر تلك القصة٣.
قال ابن كثير: من زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر فقوله ضعيف؛ لأن عبد الرحمن بن أبي بكر أسلم بعد ذلك وحَسُنَ إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه.
قال: وإنما هذا عام في كلِّ من عقَّ والديه وكذَّب بالحق، وساق قصة مروان بن الحكم مع عبد الرحمن بن أبي بكر بطولها، وبألفاظها المختلفة، معزُوَّةً لابن أبي حاتم والبخاري والنسائي، فراجعها في تفسيره٤ إن شئت.
وقد كانت عائشة -رضي الله عنها- تعرف اسم الرجل الذي نزلت فيه الآية، ولكن أدبها وحياءها وتقواها أَبَى عليها أن تذكره، ولأن ذكره يخلو من الفائدة،
٢ الأحقاف: ١٧.
٣ انظر الإتقان ج١ ص١١٠، ومناهل العرفان ج١ ص١٠٦.
٤ ج٧ ص٥٦٦ ط. الشعب.