مع اعتقاد أن الظاهر غير مراد، لقيام الأدلة القطعية على خلافه.
فهم لا يبحثون فيها إلا بالقدر الذي يصحِّحُون به اعتقادهم بأن الله -عز وجل- منَزَّهٌ عَمَّا لا يليق بذاته من المشاركة والمماثلة، وما إلى ذلك من صفات النقص، تعالى الله عنها علوًّا كبيرًا.
فما دلَّت عليه النصوص الشرعية الصريحة عملوا به، وما تشابه عليهم فُهِمَ المراد منه، وكان متعلقًا بالعقيدة، آمنوا به وأجْرَوْه على ظاهره، وفوضوا علم كَمِّه وكيفه وحقيقته إلى الله تعالى، وأثبتوا له -جل شأنه- ما أثبته لنفسه من غير خوض في تفصيله، تأدُّبًا مع خالقهم -جل وعلا، ووقاية لأنفسهم من وعيد من أفتى بغير علم، وتقوَّل على الله ما لم يقله.
فالمتشابهات بوجه عام لا يتعيِّن المراد منها على التحقيق إلّا بنصٍّ صحيح صريح من الشرع، وحيث لا يكون هناك نصٌّ صحيح صريح بقي المتشابه على حاله، فتكون دلالته على المراد ظنية، والأمور الاعتقادية لا يكفي فيها الظن، بل لا بُدَّ فيها من اليقين، ولا سبيل إلى اليقين في معرفة المتشابه من الصفات، وهي من الأمور العقدية، فوجب التوقف فيها وعدم الخوض في تأويلها، وردَّها في جملتها إلى المحكَمِ الذي لا يحتمل إلّا وجهًا واحدًا.
وعماد المحكم في باب الصفات قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء﴾.
هذا هو خلاصة مذهب السلف الصالح من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان،
وقد استدلُّوا على ما ذهبوا إليه بنصوص من الكتاب والسُّنَّة وأقوال علمائهم الأعلام، ووجدوا فيها السلامة لدينهم، والنجاة من عذاب ربهم.
أما الكتاب فقوله تعالى من سورة آل عمران:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ


الصفحة التالية
Icon