والدبرة -بفتحات ثلاث- هي قرحة الدابة في أصل الوضع اللغوي، والمراد هنا أنه صيَّرَ في ظهره من الضرب جرحًا داميًا كأنه قرحة في دابة.
ورضي الله عن عمر، فإن هذا الأثر يدل على أن ابن صبيغ فتح أو حاول أن يفتح باب فتنة بتتبُّعه متشابهات القرآن يكثر الكلام فيها، ويسأل الناس عنها، ومنها ما ورد من أن الإمام مالكًا -رضي الله عنه- سُئِلَ عن الاستواء في قوله سبحانه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾.
فقال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة، وأظنك رجل سوء، أخرجوه عني".
يريد -رحمة الله عليه- أن الاستواء معلوم الظاهر بحسب ما تدل عليه الأوضاع اللغوية، ولكن هذا الظاهر غير مراد قطعًا؛ لأنه يستلزم التشبيه المحال على الله بالدليل القاطع، والكيف مجهول، أي: تعيين مراد الشارع مجهول لنا لا دليل عندنا عليه، ولا سلطان لنا به، والسؤال عنه بدعة، أي: الاستفسار عن تعيين هذا المراد على اعتقاد أنه مما شرَّعه الله بدعة؛ لأنه طريقة في الدين مخترعة مخالفة لما أرشدنا إليه الشارع من وجوب تقديم المحكَمَات وعدم اتباع المتشابهات، وما جزاء المبتدع إلّا أن يُطْرَدَ ويُبْعَدَ عن الناس، خوف أن يفتنهم؛ لأنه رجل سوء، وذلك سر قوله: وأظنك رجل سوء، أخرجوه عني" أ. هـ١.
"قال ابن الصلاح: على هذه الطريقة مضى صدر الأمة وساداتها وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلِّمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها. أ. هـ"٢.
المذهب الثاني: مذهب الخلف ويُسَمَّى مذهب المؤوِّلة -بتشديد الواو وكسرها، وهم فريقان: فريق يؤولها بصفات سمعية غير معلومة على التعيين، ثابتة له تعالى، زيادة على صفاته المعلومة لنا بالتعيين.
وفريق يؤولها بمعانٍ نعلمها على التعيين، وذلك بأن يحمل اللفظ الذي استحال ظاهره من هذه المتشابهات على معنًى يسوغ لغة، ويليق بالله عقلًا وشرعًا.
٢ الإتقان ج٣ ص١٥.