آيات الصفات بين التفويض والتأويل:
بعد أن عرضنا عليك مذهب السلف، ومذهب الخلف فيما تشابه من آيات الصفات، نذكر لك طرفًا من أقوال كلٍّ منهما في بعض هذه الآيات، ليتبين لك الفرق بينهما بوضوح، فتعلم أيّ الفريقين أقوم قيلًا، وأهدى سبيلًا على التحقيق.
١- ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ ١:
اتفق العلماء سلفًا وخلفًا على أن الاستواء بمعناه المعلوم لدينا غير جائز على الله تعالى؛ لأن الله -عز وجل- قد نفى عن نفسه المماثلة لخلقه من جميع الوجوه بقوله سبحانه:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ولكنهم اختلفوا في المراد منه، فقال السلف: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فهو -جل شأنه- أعلم بما يليق به.
وقال الخلف: الاستواء معناه الاستيلاء والهيمنة والقهر من غير معاناة ولا تكلُّف، واللغة تتسع لهذا المعنى، فلا مانع عندهم من القول به إذا كان الغرض هو تنزيه الله -عز وجل- عمَّا لا يليق بذاته من صفات الحوادث.
ومنهم من يؤوِّل الاستواء من غير تعيينٍ لمعناه على الحقيقة، ولا على المجاز، ويقولون: إن المراد من الآية إثبات أنه تعالى متَّصِفٌ بصفة سمعية لا نعلمها على التعيين.
وذكرت في الآية تأويلات أخرى لا يعوَّل عليها ولا يلتَفَتُ إليها، ضربنا عنها صفحًا خشية التطويل من غير فائدة.
والسلف والخلف يدورون في فلك واحد، وإن اختلفت أنظارهم، وتباينت أقوالهم، فالجميع ينزه الله -عز وجل- بالطريقة التي يراها صحيحة عنده، إلّا أن مذهب السلف أسلم، كما سيتبين لك قريبًا.
وللإمام الطبري -رحمه الله تعالى- فَهْمٌ في معنى الاستواء، جمع فيه بين قولي السلف والخلف، بناه على المفهوم من عرف اللغة، مراعيًا ما يجب في حق الله تعالى من التقديس والتنزيه، فبعد أن ذكر أقوال العلماء في معناه، قال: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه، ثم يقول: وأَوْلَى المعاني بقول الله -جل ثناؤه:

١ طه: ٥.


الصفحة التالية
Icon