وقال فريق من الخلف كالأشعري: إن اليد صفة ورد بها الشرع، والذي يلوح من معنى هذه الصفة أنها قريبة من معنى القدرة، إلّا أنها أخصّ والقدرة أعمّ، فإن في اليد تشريفًا لازمًا.
وقال فريق آخر: إنها القدرة خروجًا من التشبيه، وفرارًا من التوقف.
وقد سلك الإمام الطبري مسلك الجمع بين الأقوال، ووقف وسطًا بين السلف والخلف، وحكَّم اللغة في الترجيح والتصحيح، كما هو شأنه دائمًا في المتشابِه الذي لم يَرِدْ فيه نقلٌ صحيح يعين المراد منه؛ وقال -رحمه الله: "فيها وجهان من التأويل؛ أحدهما: يد الله فوق أيديهم عند البيعة؛ لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه -صلى الله عليه وسلم.
والآخر: قوة الله فوق قوتهم في نصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم".
وحيث ذكر هذين القولين ولم يرجِّح أحدهما على الآخر، فهو يُقِرُّهما معًا على السوية باعتبارهما متلازمين، إذ يلزم عن العلوِّ والفوقية القوة والغلبة التي تقع بهما النصرة على العدو.
وما قيل في قوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم﴾ يُقَالُ في قوله تعالى: ﴿وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾.
٣- ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ ١:
ورد لفظ العين مفردًا وجمعًا منسوبًا إلى الله تعالى، فجعله السَّلف على المعنى الذي يليق بذاته من غير تأويل، وأوَّله الخلف كما أوَّلوا الاستواء واليد، فقالوا: المراد بالعين العناية والرعاية، وما في معناها.
قال محمد جمال الدين القاسمي٢ -وهو سلفيّ المذهب والعقيدة- في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ ٣:
﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ أي: بحفظنا وكلاءتنا، كأن معه من الله -عز وجل- حفاظًا وحراسًا، يكلأونه بأعينهم من التعدي من الكفرة، ومن الزيغ في الصنعة.

١ طه: ٣٩.
٢ محاسن التأويل ج٩ ص٣٤٣٤، ٣٤٣٥.
٣ سورة هود: ٣٧.


الصفحة التالية
Icon