"قال هؤلاء المفوضون: إن حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وهو سر الله في القرآن، فنحن نؤمن بظاهرها، ونَكِلُ العلم فيها إلى الله تعالى.
وفائدة ذكرها طلب الإيمان بها.
قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه: في كل كتاب سر، وسر الله في القرآن أوائل السور.
وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه: إن لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكِتَاب حروف التهجي.
واعتُرِضَ على هذا القول بأنه لا يجوز أن يخاطب الله عباده بما لا يعلمون، وأجيب عنه بأنه يجوز أن يكلِّف الله عباده بما لا يُعْقَل معناه، كرمي الجمار، فإنه مما لا يُعْقَلُ معناه، والحكمة فيه هو كمال الانقياد والطاعة، فكذلك هذه الحروف، ويجب الإيمان بها، ولا يلزم البحث عنها"١.
الثاني: مذهب التأويل:
وأصحاب هذا المذهب قد اختلفوا في تأويل هذه الحروف اختلافًا كثيرًا.
١- فمنهم من قال: إنها أسماء السور، وهو قول الكثير من المفسرين.
واستدلوا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: ألم السجدة، وهل أتى على الإنسان".
وهذا القول في نظري ليس بشيء؛ لأن السور التي افتتحها الله بهذه الحروف لها أسماء أخرى قد اشتهرت بها، وتميَّزَت بها عن غيرها، ولم تتميز بهذه الحروف.
فإذا قلت: هذه السورة "ألم"، لم تعرف بهذه الحروف على التحديد إلّا إذا قلت: "ألم البقرة" "ألم آل عمران" "ألم لقمان" "ألم السجدة" وهكذا.

١ انظر تفسير الخازن ج١ ص٢٦.


الصفحة التالية
Icon