وهذا المفهوم أخذ بالمعنى المشترك للفظ النَّسْخِ في اللغة.
هذا هو مفهوم النَّسْخِ عند المتقدمين، أما مفهومه عند المتأخرين فهو مفهوم ضيق مقصور على الرفع والإزالة.
فقد عرَّفوا النَّسْخَ بأنه: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخِّرٍ عنه.
فهذا التعريف قد أخرج تخصيص العام وتقييد المطلق بالاستثناء، أو بالصفة، أو بالحال، أو بالزمان، أو بالمكان، وغير ذلك من أنواع التخصيص والتقييد.
ومن هنا نعلم أن الصحابة والتابعين قد عدُّوا في المنسوخ آيات كثيرة بحسب مفهومهم الواسع لمعنى النَّسْخِ.
وأما المحدَثون فقد اقتضاهم التوسُّع في البحوث العلمية إلى التقسيمات والتفريعات؛ فأخرجوا من مفهوم النَّسْخِ بعض ما كان يشمله اللفظ.
وما فعلوه لا يدل على أنهم خالفوا الصحابة والتابعين، أو خرجوا عَمَّا قرروه في أمر الناسخ والمنسوخ؛ فللباحث أن يقسِّمَ بحثه إلى قضايا ومسائل حسبما شاء، بشرط أن لا يخرج عن المفهوم العام للموضوع الذي يبحث فيه.
وهذا الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين والذي اقتضاه التطور العلمي لن يغيِّرَ شيئًا من الأحكام الشرعية التي قرَّرَها الصحابة والتابعون، ونقلوها إلينا بدقة وأمانة، ما دمنا نعرف الحقائق التي كانوا يطلقون عليها اسم النَّسْخِ، ونستطيع أن نتبيَّن ما يُسَمَّى من بينها نسخًا في اصطلاحنا، وما خصَّه اصطلاحنا المتأخِّر عن زمانهم باسم آخر.
فالخلاف إذًا بين المتقدمين من الصحابة والمتأخرين من الأصوليين اصطلاحي.
أدلة جواز النَّسْخِ:
استدلَّ جمهور العلماء على جواز النَّسْخِ بالعقل والنقل والتاريخ.
أما العقل: فلا يمنع جوازه؛ لأنه لا يترتَّب على وقوعه محال.
والواقع التاريخي -أيضًا- يؤكد وقوع النَّسْخِ بنوعيه: نسخ الشرائع


الصفحة التالية
Icon