وقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر﴾.
وهذا أنزل في شوال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، وفي المحرم، وصفر، وشهر ربيع، فقال ابن عباس: "إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم ورسلًا في الشهور والأيام" قال أبو شامة: رسلًا أي: وفقًا، وعلى مواقع النجوم أي: مثل مساقطها.
يريد أنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم مفرقًا، يتلو بعضه بعضًا على تؤدة ورفق.
هذه أحاديث أربعة من جملة أحاديث ذكرت في هذا الباب، وكلها صحيحة كما قال السيوطي، وهي أحاديث موقوفة على ابن عباس، غير أن لها حكم المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، لما هو مقرر من أن قول الصحابي مما لا مجال للرأي فيه، ولم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات، حكمه حكم المرفوع، ولا ريب أن نزول القرآن إلى بيت العزة من أنباء الغيب التي لا تعرف إلّا من المعصوم، وابن عباس لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات، فثبت الاحتجاج بها.
وكان هذا النزول جملة واحدة في ليلة واحدة هي ليلة القدر كما علمت؛ لأنه المتبادر من نصوص الآيات الثلاث السابقة، وللتنصيص على ذلك في الأحاديث التي عرضناها عليك، بل ذكر السيوطي أن القرطبي نقل حكاية الإجماع على نزول القرآن جملةً من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا"١ والحكمة في هذا التنزل لا نعلمها على وجه اليقين، ولسنا مكلفين بمعرفتها.
وأبلغ الظن أنه تفخيم لشأن القرآن الكريم، وشأن من نزل عليه، بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزَّلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم.

١ انظر مناهل العرفان ص٣٧-٣٩.


الصفحة التالية
Icon