٣- ومن بيت العزة نزل به جبريل -عليه السلام- على قلب محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه- منجَّمًا في نحو ثلاث وعشرين سنة هدًى للناس، وتبيانًا لكلِّ شيء، يتعلَّق به شأن من شئونهم الدنيوية والأخروية، قال -جلَّ شأنه- في سورة الشعراء:
﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ ١.
"والذي يجب الجزم به أن جبريل نزل بألفاظ القرآن المعجِزَة من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس، وتلك الألفاظ هي كلام الله وحده، لا دخل لجبريل ولا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- في إنشائها ولا في ترتيبها، فالألفاظ التي نقرؤها ونكتبها هي من عند الله، وليس لجبريل -عليه السلام- في هذا القرآن سوى حكايته للرسول -صلى الله عليه وسلم، وليس للرسول -صلى الله عليه وسلم- سوى وعيه وحفظه وتبليغه، ثم بيانه وتفسيره، ثم تطبيقه وتنفيذه"٢.
وقد تلقَّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الله بواسطة جبريل -عليه السلام- بقلبه، إذ هو المالك لجميع جوارحه؛ به يسمع، وبه يعقل، وبه يبصر.
وقد قال الله -عز وجل: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ﴾.
للدلالة على أنَّ ما نزل عليه محفوظ بعناية الله تعالى، وأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- متمكن من تلقيه واستيعابه حفظًا وفهمًا.
"والقلب هو المخاطَبُ في الحقيقية؛ لأنه موضع التمييز والاختيار، وسائر الأعضاء مسخرة له.
يدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول، أما القرآن فقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب﴾ ٣.

١ آية: ١٩٢-١٩٥.
٢ اللآلئ الحسان ص١٣.
٣ ق: ٣٧.


الصفحة التالية
Icon