لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} ١.
قيل: إن هذه الآية ناسخة لقوله: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ ؛ فقد روي أن شهر رمضان قد فُرِضَ على الذين من قبلنا على الوجه الذي كان مفروضًا على المسلمين قبل نزول هذه الآية الناسخة، بمعنى أنهم قد كُتِبَ عليهم أنه إذا صلَّى أحدهم العشاء ونام حُرِّمَ عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها من الليلة المقبلة.
وهذا ما رواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عَمَّن حدَّثه عن ابن عمر٢.
ونحن لا ندري على وجه اليقين أن الصوَّمَ قد فُرِضَ على الذين من قبلنا على هذا النحو، فيكون الأصح الذي تطمئن إليه النفس أن هذه الآية ناسخة للسُّنَّة التي كان عليها المسلمون في أول الإسلام.
فقد روى أحمد في مسنده من حديث معاذ الطويل قوله: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلًا من الأنصار يقال له: صرمه، كان يعمل صائمًا حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلَّى العشاء، ثم نام فلم يأكل ولم يشرب، حتى أصبح، فأصبح صائمًا، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد جَهِدَ جهدًا شديدًا فقال: "ما لي أراك قد جهدت جهدًا شديدًا؟ " قال: يا رسول الله، إني عملت أمس، فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت، فأصبحت حين أصبحت صائمًا، قال: وكان عمر قد أصاب من النساء بعدما نام، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فأنزل الله -عز وجل: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل﴾.
وقد ذهب صاحب تفسير المنار إلى أن هذه الآية ليست منسوخة، بل هي متمِّمَة لأحكام الصوم، مبيِّنَة لما امتاز به صومنا من الرخصة التي لم تكن لمن

١ سورة البقرة: ١٨٧.
٢ ذكره ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام﴾.


الصفحة التالية
Icon