قبلنا، وهذا ما اختاره الأستاذ الإمام "يعني: الشيخ محمد عبده"، وقال: إذا صحَّ ما ورد في سبب النزول فهو يدل على أنه فرض الصيام كان كل إنسان يذهب في فهمه مذهبًا كما يؤديه إليه اجتهاده ويراه أحوط وأقرب إلى التقوى.
والصواب ما قاله من أعلم بكتاب الله تعالى منه ومن شيخه، وأقول له ولمن نحا نحوه في التأويل: ماذا تقولون في قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُم﴾ أليس هذا اللفظ يقتضي إباحة ما كان محذورًا من قبل، كما هو المتبادر إلى الذهن، ويؤيد ذلك قوله في الآية: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ فلو كان ما فعلوه مبنيًّا على اجتهادهم، مع عدم وجود النص القاطع بكيفية الصوم -لكانوا مأجورين على فعلهم، وما كانوا مذنبين، وما وُصِفَ فعلهم بالخيانة، وما كان للتوبة والعفو موضع.
إن أول الآية ووسطها وآخرها ينطق بالحق الذي ذهب إليه الجمهور.
والنَّسْخُ بهذه الآية رَفْعٌ للحكم السابق الذي كان معروفًا لديهم من أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم، أو أفعاله، وليس باجتهادهم كما قال صاحب المنار وشيخه، والله أعلم.
٤- قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ ١.
قال القرطبي في تفسيره: "واختلف العلماء في نسخ هذه الآية، فالجمهور على نسخها، وأن قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح، واختلفوا في ناسخها.
فقال الزهريّ: نسخها: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة﴾ ٢.
وقيل: نسخها غزو النبي -صلى الله عليه وسلم- ثقيفًا في الشهر الحرام، وإغزاؤه أبا عامر إلى أَوْطَاس في الشهر الحرام.
وقيل: نسخها بيعة الرضوان على القتال في ذي القعدة، وهذا ضعيف؛

١ سورة البقرة: ٢١٧.
٢ سورة التوبة: ٣٦.


الصفحة التالية
Icon