فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بلغه قتل عثمان بمكة، وأنهم عازمون على حربه، بايع حينئذ المسلمين على دفعهم لا على الابتداء بقتالهم.
وذكر البيهقي عن عُروة بن الزبير من غير حديث محمد بن إسحاق في أثر قصة الحضرمي: فأنزل الله -عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ الآية. قال: فحدثهم الله في كتابه أن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان، وأن الذي يستحلُّون من المؤمنين هو أكبر من ذلك، من صدهم عن سبيل الله حين يسجنونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكفرهم بالله، وصدِّهم المسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين، وفتنتهم إياهم عن الدِّين؛ فبلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عقل ابن الحضرمي، وحرَّم الشهر الحرام كما كان يحرمه، حتى أنزل الله -عز وجل: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾.
وكان عطاء يقول: الآية محكمة، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرام، ويحلف على ذلك؛ لأن الآيات التي وردت بعد عامة في الأزمنة، وهذا خاص، والعام لا ينسخ الخاص باتفاق.
وروى أبو الزبير عن جابر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقاتل في الشهر الحرام إلّا أن يُغْزَى.
٥- قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ١.
قيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ ٢، وهي متقدِّمة عليها في الترتيب مؤخَّرة عنها في النزول.

١ سورة البقرة: ٢٤٠.
٢ البقرة: ٢٣٤.


الصفحة التالية
Icon