تموت... فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ؛ لذلك قال ابن عباس: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور، فنسخها بالجلد أو الرجم، وكذا روي عن عكرمة وسعيد بن جبير، والحسن وعطاء الخراساني، وأبي صالح وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك، أنها منسوخة، وهو أمر متفق عليه".
ثم ساق الحديث الذي راه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، وغيرهما من أصحاب السنن، وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا: الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، البكر جلد مائة ثم نفي سنة".
وقد زعم أبو مسلم أن الآية الأولى بيان لعقوبة السحاق، وهو استمتاع المرأة بالمرأة، وأن الآية الثانية بيان لعقوبة اللواط، ووافقه على ذلك صاحب تفسير المنار فرارًا من القول بالنَّسْخِ، فقال: هو المناسب لجعل تلك خاصة بالنساء، وهذه خاصة بالذكور، فهذا مرجع معنوي وهو كَوْن القرآن عليه ناطقًا بعقوبة الفواحش الثلاث، وكَوْن هاتين الآيتين محكمتين، والإحكام أولى من النَّسْخِ حتى عند الجمهور القائلين به.
ووافقه على ذلك الشيخ عبد الكريم الخطيب فقال في تفسيره: يجمع المفسرون على أن هاتين الآيتين منسوختان بالآية الثانية من سورة النور، وهي قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ وأن حَدَّ الزنا في أول الإسلام -كما يقولون- هو الإمساك للمرأة الزانية وحبسها في البيت، على حين أن الرجل يعنَّف ويؤنَّب باللسان، أو ينال بالأيدي والنعال، حسب تقدير ولي الأمر.
ونحن على رأينا بألَّا نسخ في القرآن -نرى أن هاتين الآيتين محكَمَتين، وأنهما تنشئان أحكامًا لمن يأتون الفاحشة- من الرجال والنساء، غير ما تضمنته آية النور من حكم الزانية والزاني.. إلى آخر ما قال.
والعجب كل العجب من هذا الأخير أنه يذكر إجماع المفسرين على أن الآيتين منسوختان بالآية الثانية من سورة النور، ثم ينفر هو برأي يخالف الجمهور ويعظِّم نفسه بقوله: ونحن نرى، وأين هو من هؤلاء المفسِّرين! وأين


الصفحة التالية
Icon