قيل: قوله: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُم﴾ منسوخ بقوله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ ١.
قال الزرقاني٢: "وقيل إنه لا نسخ؛ لأنَّ الآية الأولى خاصَّة بما إذا أنزل الموت بأحد المسافرين، وأراد أن يوصي، فإنَّ الوصية تثبت بشهادة اثنين عدلين من المسلمين أو غيرهم؛ توسعة على المسافرين؛ لأن ظروف السفر ظروف دقيقة، قد يتعسَّر أو يتعذَّر وجود عدلين من المسلمين فيها، فلو لم يبح الشارع إشهاد غير المسلمَيْن لضاق الأمر، وربما ضاعت الوصية، أما الآية الثانية فهي القاعدة العامة في غير ظروف السفر" أ. هـ.
وقد قدَّم الله -جل جلاله- في هذه الآية إشهاد عدول المؤمنين؛ لأنه الأصل الذي يحصل به المقصود على الوجه الكامل، وأجاز إشهاد غيرهم في الحال التي لا يتيسر فيها ذلك بالشروط المذكورة في الآية.
وهذا يدل على أنها محكمة، جاءت بتشريع خاصٍّ، فلا يقال: إنَّ آية سورة الطلاق وهي قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ ناسخة لها، وقد أمكن الجمع بينهما -كما عرفت- وحيث أمكن الجمع فلا نسخ.
وسورة المائدة كلها محكمة ليس فيها آية منسوخة على الصحيح من أقوال العلماء.
١٥- قوله تعالى: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ ٣.
قيل: إنها منسوخة بقوله سبحانه: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ٤.

١ الطلاق: ٢.
٢ مناهل العرفان ج٢ ص١٦١.
٣ الأنفال: ٦٥.
٤ الأنفال: ٦٦.


الصفحة التالية
Icon