ووجه النَّسْخِ أن الآية الأولى أفادت وجوب ثبات الواحد للعشرة، وأن الثانية أفادت وجوب ثبات الواحد للاثنين، وهما حكمان متعارضان، فتكون الثانية ناسخة للأولى -على ما تقدَّمَ بيانه عند الكلام على نسخ الأثقل بالأخفِّ- والنسخ هنا ظاهر، ولكن قد يقال: إن هذا النَّسْخَ هو انتقال من الواجب إلى الرخصة.
١٦- قوله تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ ١.
قيل: نُسِخَت بآيات العذر، وهو قوله: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ٢.
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ٣.
وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ ٤.
والأصح أنه لا نسخ في الآية، وإنما جاءت الآيات المذكورة مخصِّصَة لعمومها، فكأنه قيل: انفروا خفافًا وثقالًا إلّا من كان معذورًا لا يستطيع القتال لكونه ذا عاهة من مرض أو عرج، أو عمى أو زمانة، ونحوها من المعوِّقات، مع بقاء طائفة تقوم بما يحتاج إليه القاعدون من أولى الضرر، كتعليم وإرشاد وغير ذلك.
"ومِمَّنْ قال بالنَّسْخِ ابن عباس ومحمد بن كعب، وعطاء الخراساني وغيرهم، قالوا: نُسِخَت بقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَر﴾ ٥.

١ التوبة: ٤١.
٢ التوبة: ٩١.
٣ التوبة: ١٢٢.
٤ الفتح: ١٧.
٥ انظر تفسير ابن كثير ج٤ ص٩٧.


الصفحة التالية
Icon