قيل: نسخها قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ١.
"واعلم أن هذا النَّسْخِ لا يستقيم إلّا على أن هذه الآية متأخرة في النزول عن الآية الأولى، وأن الله قد أحلَّ للرسول -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته ما كان قد حَرَّمه عليه من قبل في قوله: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْد﴾ إلخ.
وذلك مروي عن علي -كرم الله وجهه، وعن ابن عباس -رضي الله عنه، وعن أم سلمة -رضوان الله عليها، وعن الضحاك -رحمه الله، وعن الصدِّيقة بنت الصديق -رضي الله عنهما.
أخرج أبو داود في جامعه، والترمذي وصحَّحَه، والنسائي والحاكم وصحَّحَه أيضًا، وابن المنذر وغيرهم، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لم يمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أحلَّ الله تعالى له أن يتزوج من النساء ما شاء إلّا ذات محرم" إلخ.
والسر في أن الله حرَّم على الرسول أولًا ما عدا أزواجه، ثم أحلَّ له ما حرَّمه عليه، هو أن التحريم الأول فيه تطييب لقلوب نسائه، ومكافأة لهنَّ على اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، بعد أن نزلت آيات التخيير في القرآن، ثم إن إحلال هذا الذي حرَّم على رسوله مع عدم زواج الرسول من غيرهن بعد هذا الإحلال، كما ثبت ذلك، فيه بيان لفضله -عليه الصلاة والسلام- ومكرمته عليهن؛ حيث قصر نفسه ولم يتزوج بغيرهنَّ، مع إباحة الله له ذلك.

١ الأحزاب: ٥٠.


الصفحة التالية
Icon