واهتمَّ العلماء بجمعها من بطون الكتب، وأفواه الحكماء وغيرهم، ونقَّبوا عن مواردها، وكشفوا عن مضاربها، وعقدوا مقارنة بينها على اختلاف عصورها، وتعمَّقوا في فهم معانيها، وفرَّقوا بين سليمها وسقيمها، إلى غير ذلك مما يتعلق بها من بحوث.
وأما أمثال القرآن الكريم، فهي في الذروة العليا في جميع ما أشرنا إليه من الفوائد العامة؛ لأن القرآن الكريم كتاب هداية، ومنهج حياة، يجد الناس جميعًا فيه ما يحتاجون إليه من مقوِّمات التقدُّم والبناء، والإصلاح الخلقي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ويستطيعون أن يكتفوا به عن التشريعات التي وضعها الإنسان بعقله القاصر، ونظره المحدود.
وقد تعدَّدت أغرض المثل في القرآن الكريم، حتى جلَّت عن الحصر، وعزَّت عن الإحصاء والعدِّ، ولكنها ترجع في جملتها إلى غرض واحد، هو دعوة الناس جميعًا إلى الله تعالى، وردهم إلى الفطرة التي فطرهم عليها، فهي غنيّة بما فيها من إنذار وتبشير، ووعظ وتذكير، وترغيب وترهيب، ووعد ووعيد، إلى غير ذلك من الأغراض السامية التي تدفع الإنسان دفعًا إلى الدِّينِ القيم، الذي هو ينبوع الفضائل كلها.
وقد نظر العلماء في أسلوب المثَل بوجه عام، وأسلوب المثل القرآني بوجه خاصٍّ، وبيَّنُوا الفرق الشاسع بين الأسلوبين، وذكروا أنه لا موازنة بينهما البتة، فأين كلام الناس من كلام الله تعالى!
وقد وجدناهم يعرِّفون المثل، ويذكرون خصائصه الفنية، وسماته البلاغية، ويقسِّمونه إلى أقسام كثيرة، ويبينون أغراضه الاجتماعية، ومقاصده العقدية، والشرعية.
فأردنا أن نسلك في هذا المبحث مسلكهم، فنعرف المثل عند اللغويين، والأدباء، والبلغاء، ثم نقسِّمه إلى أقسام باعتبارات مختلفة، ثم نذكر أهم خصائصه وسماته وأغراضه بإيجاز، مع التركيز على المثل القرآني، لبيان ما فيه من إيجاز وإعجاز.


الصفحة التالية
Icon