الكتب السماوية السابقة نزلت مفرقة لكان يكفي في الردِّ عليهم أن يقول: إن ذلك سنة الله في الكتب التي أنزلها على الرسل السابقة.
والقول بأن الكتب السماوية نزلت جملة واحدة، هو مذهب كثير من رجال العلم.
ويرى القاسمي أنه لم يثبت على وجه قاطع أن الكتب السماوية نزلت جملة واحدة، ويرجِّح أنها نزلت منجَّمة بمقدار مكث النبي -صلى الله عليه وسلم، فيقول في تفسيره النفيس المسمَّى بمحاسن التأويل، عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾.
إلى قوله: ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾.
"يذكر المفسرون ههنا أن الآية ردٌّ على الكفرة في طلبهم نزول القرآن جملة، كنزول بقية الكتب جملة، ويرون أن القول بنزول بقية الكتب دفعة صحيح، فيأخذون لأجله في سرِّ مفارقة التنزيل له.
والحال أن القول بنزولها دفعة واحدة لا أصل له، وليس عليه أثارة من علم، ولا يصححه عقل، فإن تفريق الوحي وتمديد مدته بديهي الثبوت لمقدار مكث النبي -صلى الله عليه وسلم، إذ ما دام بين ظهراني قومه فالوحي يتوارد تنزله ضرورة، ومن راجع التوراة والإنجيل الموجودين يتجلَّى له ذلك واضحًا لا مرية فيه، وعذر القائل به ظنه أن الآية تعريض بنزول غيره كذلك، وما كلّ كلام معرض به، وإنما الآية حكاية لاقتراح خاص، وتعنّت متفنِّن فيه -والله أعلم".
ورأي القاسمي عندي جدير بالاعتبار، للأسباب الوجيهة التي ذكرها، ولعدم الدلالة في الآية على ما ذهب إليه المفسرون على وجهٍ تطمئن إليه النفس، ولأن حاجة النبيين قاضية بتجدد الوحي على حسب مقتضيات الأحوال، وحاجتهم إلى التثبيت والمواساة، كحاجة نبينا -صلى الله عليه وسلم، فقد واجهوا أممًا عاتية لا تقلُّ في ضلالها وغلوائها عن أهل مكة.


الصفحة التالية
Icon