القدرة على تأدية الغرض المراد منه، وهو إبراز الفكرة وتقوية المعنى، وإقناع السامع وإمتاعه، وتدريب ذهنه على التأمُّل والتفكير، وإطلاق خياله في المعاني المرسَلَة لفهمها واستيعابها، وربط بعضها ببعض، وغير ذلك من الأغراض التي لا يؤديها غير هذا الأسلوب البياني.
الرابع: جودة الكتابة: وذلك إذا كان المثل من باب الكنايات، بأن يعبّر عن حكمة دلت على صدقها التجربة، وشهد لها الواقع بالسلامة والصحة.
فالكناية تأتي بالمعنى مصحوبًا بدليله، وتبرز ما يستقبَح ذكره في صورة مقبولة لا يأباها الحسّ المرهف، ولا يمجُّها الذوق السليم، فهي أسلوب مقنع وممتع ومؤثر.
وأمثال القرآن الكريم مستوفية لهذه الخصائص إلى حدِّ الإعجاز -ولا شك- فالإيجاز فيه من الدقة بحيث يسع اللفظ الواحد من المعاني المرادة ما لا تسعه المجلدات الضخام.
ولكننا نجد الأمثال السائدة في كلام الناس تعوزها الدقة أو الطلاوة، أو البراعة في التعبير، أو حسن الحبكة في كثير من الأحيان.
وكثير منها يخلو من صفة الثبات والخلود، فتتبعثر وتتلاشى مع مَرِّ العصور.
أما أمثال القرآن الكريم فهي قواعد كلية تجتمع تحتها كل القوانين الأخلاقية والقيم الإنسانية، لذا كانت خالدة على مرِّ الزمان، صالحة لكل عصر ومكان، مقبولَة عند الخاصة والعامة، مستسَاغَة لدى الطباع المستقيمة، والعقول السليمة، لها جلال تشعر بوقعه القلوب المؤمنة، وجمال تستشفه الأذواق المعتدلة، ويجد فيها أصحاب الحسِّ المرهف كمالًا في رسم صور المعاني المرادة، لا يجدونه في غيرها.
فأين قولهم مثلًا: "القتل أنفى للقتل" من قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة﴾ ١.