فقد تفوَّق قول الله تعالى على ما قاله أولئك العرب في كثير من الوجوه البيانية، ذكر بعضها الألوسي والرازي وصاحب المنار، وغيرهم من المفسرين.
فكان ما عدوه من وجوه البيان بالغًا ما بلغ، لا يساوي فيما لم يذكروه قطرة من بحر، فجُلّ كلام الله تعالى عن أن يُعْقَد بينه وبين كلام الناس معادلة أو مفاضلة أو موازنة.
وكان مما ذكر المفسِّرون من الوجوه:
أولها: أن حروف المثل في الآية أقل، وكلما قَلَّت الحروف وكَثُرَت المعاني كان أبلغ في الإعجاز.
وثانيها: أن قولهم: "القتل أنفى للقتل" ظاهره يقتضي كون الشيء سببًا لانتفاء نفسه، وهو محال، بخلاف الآية، فإن الضد فيها متضمِّن لضده، وهو الحياة في الإماتة التي هي القصاص.
وعرَّف القصاص ونكَّر الحياة للإشعار بأن في هذا الجنس من الحكم نوعًا من الحياة عظيمًا لا يُقْدَرُ قدره ولا يُجْهَل سره.
وثالثها: أن قولهم فيه تكرير للفظ القتل، وليس في الآية تكرير.
ورابعها: أن قولهم لا يفيد إلّا الردع عن القتل، والآية تفيد الردع عن القتل، وعن الجرح، وغيرهما، فهي أجمع للفوائد.
وخامسها: أن نفي القتل في قولهم مطلوب تبعًا، من حيث إنه يتضمَّن حصول الحياة، وأما الآية فإنها دالة على حصول الحياة، وهو مقصود أصلي، فكان هذا أولى.
وسادسها: أن القتل ظلمًا قتل، مع أنه لا يكون نافيًا للقتل، بل هو سبب لزيادة القتل، وإنما النافي وقوع القتل المخصوص، وهو القصاص، فظاهر قولهم باطل، وأما الآية فهي صحيحة ظاهرًا وتقديرًا، فظهر التفاوت بين الآية وبين كلام العرب.
سابعها: ما في الآية من عذوبة اللفظ وسلاسته، مما يدعو إلى قبول ما فيه من تشريع ببشاشة واستبشار، بخلاف قولهم: "القتل أنفى للقتل" فإنه يشعر