ببشاعة الوسيلة التي تحفظ عليهم الحياة، فلا يجعلهم يميلون إلى ما يحتويه المثل من دعوة إلى حقن الدماء بسفك الدماء قصاصًا.
"وفي الآية من براعة العبارة، وبلاغة القول، ما يذهب باستبشاع إزهاق الروح في العقوبة، ويوطِّن النفوس على قبول حكم المساواة؛ إذ لم يسم العقوبة قتلًا أو إعدامًا، بل سماها مساواة بين الناس تنطوي على حياة سعيدة لهم"١.
هذا والمثل القرآني فوق ما ذكرنا، يتميز عن غيره بتصوير الحقائق المجرَّدة تصويرًا لا يبعد عن الواقع المحسّ، بمعنى أن ما فيه من تشبيه أو استعارة، أو كناية، أو مجاز، إنما هو من مقومات الوصول إلى الحق والحقيقة، بعيدًا كل البعد عن الخيال المقصود لذاته بغية الإمتاع الذهني أو العاطفي.
ومع ذلك نجد هذا الأسلوب الحكيم لا يجيء في عزله عن الآيات السابقة له واللاحقة، وإنما يأتي مفسِّرًا لما قبله، ممهدًا لما بعده، مصحوبًا بالحكم على من أطاع ومن عصى.
اقرأ قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ ٢.
ثم اقرأ الآيات قبلها، واقرأ ما بعدها، فماذا تجد؟
إنك لتجد أربعة أمور متلازمة تسير جنبًا إلى جنب، لا تكاد تفارق أي مثل من أمثال القرآن الكريم:
الأول: يفسر ما قبله من الآيات، فقد ذكر الله أوصاف المنافقين، ثم ساق المثل بيانًا لحالهم وشأنهم.
الثاني: تمهيد المثل لما بعده، وهو تكليف الخلق بتوحيد الله وعبادته: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ٣.
الثالث: الحكم على من ضُرِبَ فيهم المثل، فإن كانوا من الأخيار فلهم الحسنى، وإن كانوا من الأشرار فلهم سوء العقبى.
الرابع: يحمل المثل في طيَّاته من الحجج البالغة على صدق الرسل فيما
٢ البقرة: ١٧.
٣ البقرة: ٢١.