يبلغون عن ربهم، وذلك من خلال أسلوبه العام الذي يتميز بالخصائص التي ذكرناها آنفًا.
يضاف إليها براعته في تصريف القول، وثروته في أفانين الكلام.
ومعنى هذا أنه يورد المعنى الواحد بألفاظ وبطُرُقٍ مختلفة بمقدرة خارقة، تنقطع في حلبتها أنفاس الموهوبين من الفصحاء والبلغاء.
اقرأ قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾.
مع قوله: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاء﴾.
وقوله -جل شأنه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ﴾.
مع قوله: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّي﴾.
ثم حاول أن توازن بين المثلين.
إنك لن تستطيع الموازنة ولا المفاضلة بين الصورتين أو الأسلوبين، فكلما قلت في نفسك هذه الصورة أجمل من أختها، أو هذا الأسلوب أدقّ من الذي قبله أو الذي بعده، راجعتك نفسك في الحال؛ فعادوت النظر مرة بعد مرة، وفي كل مرة تفضِّل أحد الأسلوبين على الآخر، ثم ترجع في ذلك على التوِّ، وتحكم في آخر الأمر بالحكم الذي حكم الله به في محكم كتابه على كتابه:
﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ١.
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ ٢.
هذا. وقد تتبعت خصائص المثل وسماته البلاغية في كتابي "الأمثال القرآنية" بشيء من التفصيل، فراجعه إن شئت -وبالله توفيقك.
٢ الزمر: ٢٣.