مقاصد الأمثال القرآنية ومواطن العبرة فيها
...
مقاصد الأمثال القرآنية مواطن العبرة فيها:
قد عرفت فيما سبق أن أمثال القرآن الكريم في الذروة العليا من الإعجاز البياني؛ لأنها تبرز المعاني في صور محسَّة، وتظهرها بإيجاز بليغ يأخذ بنواصي العقول، ويملك شغاف القلوب، ويبعث في النفوس مشاعر الإعجاب والانبهار، وتدل بعمق على مواطن العظة والاعتبار.
ونريد أن نتكلم هنا عن أهم الأغراض والفوائد التي يحصُل عليها كل متأمِّل في كتاب الله -عز وجل.
ومن المعلوم أن كل وراء مقصد عام مقاصد أخرى تتصل به او تتفرع عنه.
ومن هذه المقاصد مجتمعة تنبعث كوامن العظة والعبرة، وتتفجر ينابيع العلم والحكمة.
والأصل في البيان أن يتضمَّن التعريف بما يراد التعريف به بأسلوب مباشر، والخروج عن هذا الأصل لا يكون عند البلغاء والعقلاء إلّا لغرض يقتضي ذلك.
ولما كانت الأمثال من الأساليب البيانية غير المباشرة للتعريف بما يُراد التعريف به، وكانت من أساليب الكلام البليغ التي يلجأ إليها كبار البلغاء، ولما كانت تصاريف الرب الحكيم منَزَّهة عن العبث -كان اللجوء إلى ضرب الأمثال في القرآن لا يخلو عن غرض يدعو إليه"١.
وأغراض ضرب الأمثال في القرآن لا تنحصر، لكنها تُرَدُّ في جملتها إلى مقصد واحد، وهو بيان الحق الذي جاءت به الرسل لهداية الخلق، ودعوتهم إلى عبادة الله وحده، والانقياد لطاعته -عز وجل، وذلك بوضع منهج متكامل روعيت فيه مصالح العباد في العاجل والآجل.
وإذا كانت هذه الأغراض لا تنحصر، فإنه بإمكاننا أن نذكر أصولها بوجه عام، وهي ستة يندرج تحتها فروع بحسب من ضُرِبَ له، أو ضُرِبَ فيه المثل.
الغرض الأول: تقريب صورة الممثل له إلى ذهن المخاطب، وذلك بأن يكون المخاطب جاهلًا بحقيقة الشيء الممثَّل له جهلًا مطبقًا، أو لديه نوع جهالة

١ الأمثال القرآنية، عبد الرحمن حسن حبنكة ص٣٩ ط. دار القلم، دمشق، بيروت.


الصفحة التالية
Icon