وفي هذا المثل فوق إثارة الطمع في ثواب الله تحريض على الإخلاص له والثقة بفضله، وقصر المهمة على طلب مرضاته.
أما إثارة محور الخوف والحذر، فيظهر في مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ ١.
وقوله تعالى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ ٢.
ففي المثل الأول يشبه الله أعمال المرائين والذين يتبعون صدقاتهم بالمَنِّ والأذى بحجر أملس عليه تراب نزل عليه الماء، فجرف التراب، وترك الحجر صلدًا يابسًا لا يمسك ماء، ولا ينبت كلأ.
وفي المثل الثاني يشبه الله -عز وجل- الكافر أو المرائي وعمله بحال رجل له جنة، بذل وسعه في إصلاحها وتشجيرها وتنقيتها من الآفات الضارة لتكون هذه الجنة قوتًا له في حياته، وقوتًا لعياله بعد موته، وذريته صغار ضعاف، وهي كل ثروته ومنتهى أمله في الحياة، لا يملك سواها، فأصابه الكبر والوهن، فأتى إعصار مدمِّر فيه نار، فأحرق جنته وأحرق معها آماله كلها، وبدَّله بعد الأمن خوفًا على نفسه وعلى ذريته من بعده.
وفي هذين المثلين كما هو واضح إثارة لمحور الخوف والحذر بأبلغ أسلوب، وأعذب بيان.
٢ البقرة: ٢٦٦.