ولقد ضرب الله أمثلة حية من قصص الأولين أَبَانَ فيها سنته في معاملة عباده، ومجازاتهم بالثواب أو بالعقاب؛ ليبعث في نفوس المؤمنين كوامن الرغبة والطمع في ثوابه ورحمته، ويبعث دوافع الخوف في نفوس الصادِّين عن سبيله، والمعرضين عن ذكره.
والفرق بين هذا الغرض والذي قبله: أن هذا الغرض لا يقتصر على ذكر محاسن الشيء وتقبيحه، وإنما يذكر ما فيه من ربح جَمٍّ، أو خسارة فادحة؛ ليبعث في النفوس تلك الغرائز الكامنة التي أشرنا إليها، بحيث تكون هي الدوافع الأساسية للتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل.
الغرض الخامس: مدح من يستحق المدح، وذم من يستحق الذم، بقصد التمييز بين المصلِح والمفسِد، والمحسِن والمسيء؛ ليزداد المحسِن إحسانًا، ويرعوي المسيء عن إساءته.
والأمثلة في ذلك كثيرة، منها ما ضربه الله في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في سورة الفتح من قوله -جل شأنه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ ١.
إلى آخر السورة.
ومن ذلك ما ورد في ذمِّ اليهود من سورة الجمعة:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ ٢.
الغرض السادس: شَحْذُ ذهن المخاطَب، وتحريك طاقاته الفكرية، أو استحضار ذكائه؛ لتوجيه عنايته حتى يتأمَّل ويتفكَّر، ويصل إلى إدراك المراد عن طريق التفكر.
وهذا النوع من الأمثال يخاطَبُ به الأذكياء وأهل التأمُّل والتفكُّر، ومعلوم أن استخدام الأساليب الذكية التي يحتاج إدراك المراد منها إلى ذكاء، مما يرضي الأذكياء، ويحرك طاقاتهم الفكرية، ويلفت أنظارهم بقوة، ويدفعهم إلى توجيه عنايتهم لإدراك المراد بالتأمُّل وإمعان النظر.
٢ آية: ٥.