صلى الله عليه وسلم- في البتِّ فيها، حتى نزل في شأنها قرآن يُتْلَى، فكان ما نزل فيها تقريرًا شافيًا، وحكمًا عادلًا، لا يستطيع أحدٌ رده، ولا يسع المسلمين إلّا قبوله والرضى به.
٥- الردّ على شبه المشركين، ودحض حجج المبطلين؛ إحقاقًا للحقِّ، وإبطالًا للباطل، كما قال تعالى:
﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾.
وفي ذلك لكيدهم في نحروهم أولًا بأوَّل، حتى يتمادوا في غيهم وإضلالهم لضعفاء النفوس منهم، وحتى لا يتأثَّر أحد من المسلمين بأقوالهم، فينعكس ذلك على إيمانه وطاعته لله رب العالمين، والقلوب تحتاج دائمًا إلى تطهير من الشبهات والوساوس الشيطانية، والهواجس النفسية، فكان القرآن الكريم كفيلًا بذلك كله، كما قال -جل شأنه:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ ١.
٦- وهناك أمر آخر يغفل عنه كثيرٌ من أهل العلم في حكمة التنجيم، وهو الدلالة على الإعجاز البياني، والتشريعي للقرآن، فإنه -وإن كان قد نزل مفرَّقًا في نحو ثلاث وعشرين سنة، وفي أوقات متباينة، وأحكام مختلفة، وحوادث متعددة، قد رُتِّبَ ترتيبًا عجبًا لا ترى فيه بترًا، ولا خللًا بين آياته، ولا تنافرًا بين ألفاظه، ولا تناقضًا في معانيه، ولا اختلافًا في مقاصده ومراميه.
﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ٢.
إنه كلام الله تعالى قد استوت ألفاظه ومعانيه على محجة بيضاء، لا يعرف الناس لها عوجًا ولا أمتًا، وانتظمت في عقدٍ فريد لا يبلغ كلام أحد شأوه، ولا يعرف كنه جلاله وجماله إلا من أنزله.
٢ هود: ١.